في التاسع من أكتوبر الجاري جرت تظاهرة ضخمة للأقباط أمام مقر الإذاعة والتلفزيون المصري في ماسبيرو، مظاهرة الأقباط تلك تتحول لصداماتٍ مسلحةٍ، ومواجهاتٍ داميةٍ، وقتلى وجرحى من الأقباط ومن الجيش. إنّها ساعات أذهبت بسهولة شعارات مثل "المسلمون والأقباط إيد وحدة" أو "الشعب والجيش إيد وحدة" لتجعلها هباء تذروه الرياح.
وكالعادة ينبري بعض المثقفين لتحميل الحدث ما لا يحتمل، ولحرف جهة النقاش الحقيقية عن مسارها، ويتحدثون عن مظالم تاريخية للأقباط، في بناء الكنائس وفي الحرية الدينية، ونحو هذا، ويتغافلون عن معنى الحدث حيث الفوضى سيدة الأحكام في مجتمعٍ أضعف دولته وأسقط نظامه ولم يستطع صناعة الدولة من جديد ولا بناء نظامٍ قويٍ ومتماسك بعد.
لنحاول رسم صورةٍ تقريبيةٍ للمشهد، ربما اعتبرها البعض سوداويةً أو متشائمةً، ولكن إذا كان الواقع كذلك على الأرض والأحداث تشير إليه فإنّ طريقة النعام ودس الرأس في الرمال وغض الطرف، لن تجدي شيئًا، بل إنها ستكون أكثر ضررًا من عرض الواقع كما هو.
دافع الثورة هو الغضب والفساد، لا وعي اجتماعي متقدم أعاقته الدولة ووقف في وجهه النظام، ولا حزب مؤدلج منظّم قادها. من قام بالثورة ومن كان وقودها هم الشباب المتحمسون الحالمون في ميدان التحرير كما صرّح أحد رموزهم "وائل غنيم" من قبل، وهم قادرون على الغضب وأكثر قدرة على الحماس، ولكنّهم بلا وعيٍ ثقافي ولا رؤية سياسيةٍ ولا مكانةٍ اجتماعيةٍ تقرّ لهم بالقيادة والمرجعية. ولكنّ من حسم الموقف على الأرض هو الجيش، حين انحاز للشارع ونأى عن النظام السابق. لقد كانت الشعارات المرفوعة في ميدان التحرير مدنيةً وحضاريةً. والسؤال هو بعد النجاح في إسقاط النظام، ما هي النتائج التي برزت في المشهد المصري؟
لقد قلّ الفساد، وتصاعد الغضب وتشظّى، وضعف تأثير الشباب لصالح القوى الأعمق في المجتمع، حيث الجماعات الأصولية: الإخوان، والسلفيون، والجماعة الإسلامية، وحيث تظلمات الأقباط وأحداث ماسبيرو الدامية المشار إليها أعلاه، وحيث تذمّر بعض الطبقات: الأطباء والمعلمون وغيرهم، وحيث الفوضى: طلاب يريدون طرد عمداء الجامعات، محتجون يحاصرون مدير الاتصالات، فقراء يريدون أن يصبحوا أغنياء، عاطلون يريدون عملاً ويريدونه مجزيًا ويريدونه الآن إن لم يكن بالأمس. ومزايدون من كل شكل ونوع ولون يريدون المستحيل.
على مستوى آخر فقدت الدولة هيبتها، فضعف الأمن وانتشرت الجرائم وتفشى الخوف، وكما أرهق الاقتصاد حتى أصبحت مصر مهددةً بالإفلاس، فقد أصبح الخوف من أقوى الفاعلين في المشهد، الأفراد خائفون على أمنهم الشخصي، والمجتمع خائف من مصير مجهولٍ، والشباب الثائر خائف من اختطاف الثورة، والثوّار خائفون من مواجهة الجيش، والمجلس العسكري خائف من الثوّار، فهو بين نارين: نار مواجهة الفوضى ونار الاتهام بالطموح السياسي، وأكثر الطامحين السياسيين والمرشحين للرئاسة خائف من التحدث بصراحةٍ وقوةٍ وحزمٍ حتى لا يخسر فرصه وناخبيه.
للمزيد نتائج الثورة المصرية
تحياتي