الأسباب المعينة على قيام الليل
1 - الإخلاص لله - تعالى -:كما أمر الله - تعالى - بإخلاص العمل له دون ما
سواه:"وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ"، فكلما قوي إخلاص العبد كان أكثر توفيقاً إلى الطاعات والقربات،
وفي حديث أبي بن كعب - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال:"بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن
عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب" (رواه أحمد صحيح
الجامع 2825). قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: صلاح العمل بصلاح القلب،
وصلاح القلب بصلاح النية. قال ابن القيم - رحمه الله -: وعلى قدر نية العبد
وهمته ومراده ورغبته يكون توفيقه سبحانه وإعانته؛ فالمعونة من الله تنزل
على العباد على قدر هممهم ونياتهم ورغبتهم ورهبتهم، والخذلان ينزل عليهم
على حسب ذلك.
ولذا حرص السلف الكرام أشد الحرص على إخفاء الطاعات
كقيام الليل؛ سأل رجل تميم بن أوس الداري - رضي الله عنه - فقال له: كيف
صلاتك بالليل؟ فغضب غضبا شديدا ثم قال: والله لركعة أصليها في جوف الليل في
السر أحب إلي من أن أصلي الليل كله، ثم أقصه على الناس. وكان أيوب
السختياني يقوم الليل كله، فإذا قرب الفجر رجع فاضطجع في فراشه، فإذا طلع
الصبح رفع صوته كأنه قد قام تلك الساعة.
2 - أن يستشعر مريد قيام الليل أن الله - تعالى - يدعوه للقيام:فإذا استشعر العبد أن مولاه يدعوه لذلك وهو الغني عن
طاعة الناس جميعا كان ذلك أدعى للاستجابة، قال - تعالى -:"يَا أَيُّهَا
الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ
مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً"،
قال سعد بن هشام بن عامر لعائشة - رضي الله عنها -: أنبئيني عن قيام رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: ألست تقرأ"يا أيها المزمل"قلت: بلى،
فقالت: إن الله - عز وجل - افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام النبي
- صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حولا، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا
في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل
تطوعاً بعد فريضة. رواه مسلم.
3 - معرفة فضل قيام الليل:فمن عرف فضل هذه العبادة حرص على مناجاة الله - تعالى
-، والوقوف بين يديه في ذلك الوقت، ومما جاء في فضل هذه العبادة ما ثبت من
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"أفضل
الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر
رمضان صيام شهر الله المحرم"رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله
عنهما -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"أحب الصلاة إلى الله صلاة
داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه
وينام سدسه، ويصوم يوما ويفطر يوماً"متفق عليه. وعن عمرو بن عبسة أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال:"أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل
الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن"رواه الترمذي
والنسائي. وفي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - قال:"عجب ربنا من رجلين: رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحبه
إلى صلاته فيقول الله - جل وعلا -: أيا ملائكتي انظر إلى عبدي ثار من فراشه
ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي، وشفقة مما عندي"رواه
أحمد وهو حسن، صحيح الترغيب 258.
وقيام الليل يطرد الغفلة عن القلب كما جاء في حديث عبد
الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال: من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية لم يكتب من
القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين"رواه أبو داود وابن حبان وهو
حسن، صحيح الترغيب 635. قال يحيى بن معاذ: دواء القلب خمسة أشياء: قراءة
القرآن بالتفكر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة
الصالحين.
4 - النظر في حال السلف والصالحين في قيام الليل ومدى لزومهم له:فقد كان السلف يتلذذون بقيام الليل، ويفرحون به أشد
الفرح، قال عبد الله بن وهب: كل ملذوذ إنما له لذة واحدة إلا العبادة؛ فإن
لها ثلاث لذات: إذا كنت فيها، وإذا تذكّرتها، وإذا أعطيت ثوابها. وقال محمد
بن المنكدر: ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث: قيام الليل، ولقاء الإخوان،
والصلاة في جماعة. وقال ثابت البناني: ما شيء أجده في قلبي ألذّ عندي من
قيام الليل، وقال يزيد الرقاشي: بطول التهجد تقر عيون العابدين، وبطول
الظمأ تفرح قلوبهم عند لقاء الله. قال مخلد بن حسين: ما انتبهت من الليل
إلا أصبت إبراهيم بن أدهم يذكر الله ويصلي، فأَغتمُّ لذلك، ثم أتعزى بهذه
الآية"ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ". وقال أبو عاصم النبيل: كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته.
وعن القاسم بن معين قال: قام أبو حنيفة ليلة بهذه الآية"بَلِ السَّاعَةُ
مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ"يرددها ويبكي، ويتضرع حتى طلع
الصبح. وقال إبراهيم بن شماس: كنت أرى أحمد بن حنبل يُحيي الليل وهو غلام.
وقال أبو بكر المروذي: كنت مع الإمام أحمد نحوا من أربعة أشهر بالعسكر ولا
يدع قيام الليل وقرآن النهار، فما علمت بختمة ختمها، وكان يسرّ ذلك. وكان
الإمام البخاري يقوم فيتهجد من الليل عند السحر فيقرأ ما بين النصف إلى
الثلث من القرآن، فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال.
وقال العلامة ابن عبد الهادي يصف قيام شيخ الإسلام ابن
تيمية: وكان في ليله منفرداً عن الناس كلهم خالياً بربه، ضارعاً مواظباً
على تلاوة القرآن، مكرراً لأنواع التعبدات الليلية والنهارية، وكان إذا دخل
في الصلاة ترتعد فرائصه وأعضاؤه حتى يميل يمنة ويسرة. وقال ابن رجب في
شيخه الإمام ابن القيم: وكان ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى،
ولم أشاهد مثله في عبادته وعلمه بالقرآن والحديث وحقائق الإيمان. وقال
الحافظ ابن حجر يصف شيخه الحافظ العراقي: وقد لازمته، فلم أره ترك قيام
الليل بل صار له كالمألوف.
5 - النوم على الجانب الأيمن:وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرشد أمته إلى
النوم على الجانب الأيمن، كما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة
إزاره، فإنه لا يدري ما خلّفه عليه، ثم ليضطجع على شقه الأيمن، ثم ليقل:
باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها
بما تحفظ به عبادك الصالحين"متفق عليه. وعن البراء بن عازب - رضي الله
عنهما -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك
للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن"متفق عليه، وعن حفصة - رضي الله عنها -
قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت
خده الأيمن رواه الطبراني، صحيح الجامع 4523. قال الإمام ابن القيم - رحمه
الله -: وفي اضطجاعه - صلى الله عليه وسلم - على شقه الأيمن سر، وهو أن
القلب معلّق في الجانب الأيسر، فإذا نام على شقه الأيسر استثقل نوماً؛ لأنه
يكون في دعة واستراحة فيثقل نومه، فإذا نام على شقه الأيمن فإنه يقلق ولا
يستغرق في النوم لقلق القلب وطلبه مستقره وميله إليه.
6 - النوم على طهارة:تقدم حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - وفيه أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة"متفق
عليه، وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال:"ما من مسلم يبيت على ذكر طاهراً فيتعارّ من الليل، فيسأل الله خيراً
من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه"رواه أبو داود وأحمد، صحيح الجامع
5754. وجاء من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - قال:"طهّروا هذه الأجساد طهركم الله، فإنه ليس عبد يبيت طاهراً إلا
بات معه في شعاره ملك، لا يتقلب ساعة من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك،
فإنه بات طاهراً"رواه الطبراني، قال المنذري: إسناد جيد، صحيح الجامع 3831.
7 - التبكير بالنوم:النوم بعد العشاء مبكراً وصية نبوية، وخصلة حميدة،
وعادة صحية، ومما جاء في فضله حديث أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه -أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستحب أن يؤخر العشاء، وكان يكره النوم
قبلها والحديث بعدها"رواه البخاري، نقل الحافظ ابن حجر عن القاضي عياض في
قوله:"وكان يكره النوم قبلها"قال: لأنه قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها
مطلقا، أو عن الوقت المختار، والسمر بعدها قد يؤدي إلى النوم قبل الصبح، أو
عن وقتها المختار، أو عن قيام الليل. وقال ابن رافع: كان عمر بن الخطاب -
رضي الله عنه - ينِشّ الناس بدِرّته بعد العتمة ويقول: قوموا لعل الله
يرزقكم صلاة. ومما يتعلق بالنوم: اختيار الفراش المناسب، وذلك بعدم
المبالغة في حشو الفراش، وتليينه وتنعيمه لأن ذلك من أسباب كثرة النوم
والغفلة، ومجلبة للكسل والدّعة، وثبت من حديث عائشة - رضي الله عنها -قالت:
كانت وسادة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي ينام عليها بالليل من أدم
حشوها ليف. رواه أبو داود وأحمد، صحيح الجامع 4714. وعن ابن عباس - رضي
الله عنهما - أن عمر بن الخطاب دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وهو على حصير قد أثر في جنبه الشريف فقال عمر: يا نبي الله لو اتخذت فراشاً
أوْثر من هذا؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ما لي وللدنيا، ما مثلي ومثل
الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح
وتركها. رواه أحمد والحاكم، صحيح الجامع 5545. وكان علي بن بكار - رحمه
الله - تفرش له جاريته فراشه، فيلمسه بيده ثم يقول: والله إنك لطيب، والله
إنك لبارد، والله لا علوتك ليلتي، ثم يقوم يصلي إلى الفجر. ومن ذلك عدم
الإفراط في النوم والاستغراق فيه، قال إبراهيم بن أدهم: إذا كنت بالليل
نائما، وبالنهار هائماً، وفي المعاصي دائماً، فكيف تُرضي من هو بأمورك
قائماً؟
8 - المحافظة على الأذكار الشرعية قبل النوم:فإن هذه الأذكار حصن حصين يقي بإذن الله من الشيطان،
ويعين على القيام، ومن هذه الأذكار ما ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله
عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إذا أوى أحدكم إلى فراشه،
فلينفضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلّفه عليه، ثم ليضطجع على شقّه
الأيمن، ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها،
وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين"متفق عليه. وعن عائشة -
رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه كل
ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما يقرأ"قل هو الله أحد"، و"قل أعوذ برب الفلق"،
و"قل أعوذ برب الناس"، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على
رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات"متفق عليه. وعن أبي مسعود
- رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"من قرأ بالآيتين من
آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه"متفق عليه. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه
- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه قال:"الحمد لله
الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي له"رواه مسلم. وفي
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -وقصة الشيطان معه قال له: إذا أويت إلى
فراشك فاقرأ آية الكرسي"الله لا إله إلا هو الحي القيوم"حتى تختمها، فإنه
لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فذكر ذلك أبو هريرة
للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: صدقك وهو كذوب"متفق عليه. وعن علي بن
أبي طالب - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لابنته
فاطمة - رضي الله عنها - لما جاءت إليه تطلب منه خادماً، فقال لها ولعلي:
ألا أدلكما على خير لكما من خادم، إذا أويتما إلى فراشكما، فسبّحا ثلاثاً
وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين، فإنه خير لكما من
خادم"متفق عليه. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - قال:"اقرأ: قل يا أيها الكافرون عند منامك، فإنها براءة من
الشرك"رواه البيهقي، صحيح الجامع 1172. وعن حفصة - رضي الله عنها - أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده
الأيمن وقال: رب قني عذابك يوم تبعث عبادك"رواه أبو داود، صحيح الجامع
4532. وعن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - قال:"إذا أتيت إلى مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك
الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك،
وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت
بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن متّ متّ على الفطرة، واجعلهن
آخر ما تقول"متفق عليه. وينبغي كذلك أن يحافظ المسلم على الأذكار الشرعية
عند الاستيقاظ، ومنها: ما ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال:"إذا استيقظ أحدكم فليقل: الحمد لله الذي رد علي
روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره"رواه الترمذي والنسائي، صحيح الجامع
326. وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال: من تعارّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك
وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله سبحان الله، ولا إله إلا الله،
والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا
استجيب له، فإن توضأ ثم صلى قُبلت صلاته"رواه البخاري. قال الإمام ابن
بطال: وعد الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن من استيقظ من نومه
لَهِجا بتوحيد ربه، والإذعان له بالملك، والاعتراف بنعمه بحمده عليها،
وينزهه عما لا يليق به بتسبيحه والخضوع له بالتكبير، والتسليم له بالعجز عن
القدرة إلا بعونه، أنه إذا دعاه أجابه، وإذا صلى قبلت صلاته، فينبغي لمن
بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به، ويخلص نيته لربه - سبحانه و تعالى -.
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنهما -قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم
- إذا استيقظ من نومه قال:"الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه
النشور"رواه مسلم. وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - كان إذا استيقظ من الليل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم
ينظر إلى السماء ويقرأ العشر آيات الخواتم من سورة آل عمران:"إن في خلق
السماوات والأرض …"الآيات. رواه مسلم، قال الإمام النووي: فيه استحباب مسح
أثر النوم عن الوجه، واستحباب قراءة هذه الآيات عند القيام من النوم.
9 - الحرص على نومة القيلولة بالنهار:وهي إما قبل الظهر أو بعده، فعن أنس - رضي الله عنه -
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"قيلوا فإن الشياطين لا تقيل"رواه
الطبراني، الصحيحة 2647، قال إسحاق بن عبد الله: القائلة من عمل أهل الخير،
وهي مجمة للفؤاد مَقْواة على قيام الليل. ومرّ الحسن البصري بقوم في السوق
في وسط النهار فرأى صخبهم وضجيجهم، فقال: أما يقيل هؤلاء، فقيل له: لا،
فقال: إني لأرى ليلهم ليل سوء.
10 - اجتناب كثرة الأكل والشرب:فإن الإكثار منهما من العوائق العظيمة التي تصرف المرء
عن قيام الليل، وتحول بينه وبينه كما جاء في حديث المقدام بن معد يكرب -
رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"ما ملأ آدمي وعاءا شرا
من بطنه، حسْب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه،
وثلث لشرابه، وثلث لنفسه"رواه الترمذي وابن ماجه، صحيح الجامع 5674. وعن
أبي جحيفة - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل تجشأ
في مجلسه: أقصر من جشائك، فإن أكثر الناس شبعا في الدنيا أكثرهم جوعاً يوم
القيامة"رواه الحاكم، صحيح الجامع 1190. قال سفيان الثوري: عليكم بقلة
الأكل تملكوا قيام الليل. ورأى معقل بن حبيب قوماً يأكلون كثيراً، فقال: ما
نرى أصحابنا يريدون أن يصلوا الليلة. وقال وهب بن منبه: ليس من بني آدم
أحب إلى شيطانه من الأكول النوام.
11 - مجاهدة النفس على القيام:وهذا من أعظم الوسائل المعينة على قيام الليل؛ لأن
النفس البشرية بطبيعتها أمارة بالسوء تميل إلى كل شر ومنكر؛ فمن أطاعها
فيما تدعو إليه قادته إلى الهلاك والعطب، وقد أمرنا الله - تعالى -
بالمجاهدة فقال:"وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ"وقال
سبحانه:"وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ
اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ"، وقال - تعالى -:"تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ
عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعً"وعن فضالة بن عبيد
- رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"المجاهد من جاهد
نفسه في الله"رواه الترمذي وابن حبان، الصحيحة 549. وفي حديث عقبة بن عامر -
رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"الرجل من أمتي يقوم
من الليل يعالج نفسه إلى الطهور وعليه عُقَد؛ فإذا وضأ يديه انحلت عقدة،
وإذا وضأ وجهه انحلت عقدة، وإذا مسح رأسه انحلت عقدة، وإذا وضأ رجليه انحلت
عقدة، فيقول الله - عز وجل - للذين من وراء الحجاب: انظروا إلى عبدي هذا
يعالج نفسه، ويسألني؛ ما سألني عبدي فهو له"رواه أحمد وابن حبان، صحيح
الترغيب 627. قال محمد بن المنكدر: كابدت نفسي أربعين عاماً حتى استقامت
لي. وقال ثابت البناني: كابدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة، وتلذذت به
عشرين سنة. وقال عمر بن عبد العزيز: أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس.
وقال عبد الله بن المبارك: إن الصالحين فيما مضى كانت تواتيهم أنفسهم على
الخير، وإن أنفسنا لا تكاد تواتينا إلا على كره؛ فينبغي لنا أن نكرهها.
وقال قتادة: يا بن آدم إن كنت لا تريد أن تأتي الخير إلا بنشاط، فإن نفسك
إلى السآمة وإلى الفترة وإلى الملل أميل، ولكن المؤمن هو المتحامل.
12 - اجتناب الذنوب والمعاصي:فإذا أراد المسلم أن يكون مما ينال شرف مناجاة الله -
تعالى -، والأنس بذكره في ظلم الليل، فليحذر الذنوب، فإنه لا يُوفّق لقيام
الليل من تلطخ بأدران المعاصي، قال رجل لإبراهيم بن أدهم: إني لا أقدر على
قيام الليل؛ فصف لي دواء؟ فقال: لا تعصه بالنهار، وهو يُقيمك بين يديه في
الليل، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك
الشرف. وقال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد إني أبِيت معافى، وأحب قيام
الليل، وأعِدّ طهوري؛ فما بالي لا أقوم؟ فقال الحسن: ذنوبك قيدتْك. وقال
رحمه الله: إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل وصيام النهار. وقال
الفضيل بن عياض: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار، فاعلم أنك محروم
مكبّل، كبلتك خطيئتك.
13 - محاسبة النفس وتوبيخها على ترك القيام:فمحاسبة النفس من شعار الصالحين، وسمات الصادقين قال -
تعالى -:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ
نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ". قال الإمام ابن القيم: فإذا كان العبد مسئولا ومحاسبا على كل
شيء حتى على سمعه وبصره وقلبه كما قال - تعالى -:"إِنَّ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا"؛ فهو
حقيق أن يحاسب نفسه قبل أن يناقش الحساب.
وقيام الليل عبادة تصل القلب بالله - تعالى -، وتجعله
قادرا على التغلب على مغريات الحياة الفانية، وعلى مجاهدة النفس في وقت
هدأت فيه الأصوات، ونامت العيون وتقلب النّوام على الفرش. ولذا كان قيام
الليل من مقاييس العزيمة الصادقة، وسمات النفوس الكبيرة، وقد مدحهم الله
وميزهم عن غيرهم بقوله - تعالى -:"أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ
سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ
هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ
إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ".
وقيام الليل سنة مؤكدة حث النبي - صلى الله عليه وسلم -
على أدائها بقوله:"عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة
إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد"رواه
الترمذي وأحمد.
وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه
قال:"أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل"، وقد حافظ النبي - صلى الله
عليه وسلم - على قيام الليل، ولم يتركه سفرا ولا حضرا، وقام - صلى الله
عليه وسلم - وهو سيد ولد آدم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حتى
تفطّرت قدماه، فقيل له في ذلك، فقال:"أفلا أكون عبدا شكورا؟ "متفق عليه.
وهكذا كان حال السلف الكرام عليهم رحمة الله - تعالى -؛
قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة
القبور. وقال أحمد بن حرب: عجبت لمن يعلم أن الجنة تزيّن فوقه، والنار تضرم
تحته، كيف نام بينهما. وكان عمر بن ذر إذا نظر إلى الليل قد أقبل قال: جاء
الليل، وللّيل مهابة، والله أحق أن يهاب، ولذا قال الفضيل بن عياض: أدركت
أقواماً يستحيون من الله في سواد الليل من طول الهجعة إنما هو على الجنب
فإذا تحرك قال: ليس هذا لكِ، قومي خذي حظك من الآخرة. وقال الحسن: ما نعلم
عملاً أشد من مكابدة الليل، ونفقة المال، فقيل له: ما بال المتهجدين من
أحسن الناس وجوهاً؟ قال: لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره.
وكان نساء السلف يجتهدن في قيام الليل مشمرات للطاعة،
فأين نساء هذه الأيام من تلك الأعمال العظام. قال عروة بن الزبير أتيت
عائشة - رضي الله عنها -يوماً لأسلم عليها فوجدتها تصلي وتقرأ قوله - تعالى
-:"فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ"ترددها وتبكي،
فانتظرتها فلما مللت من الانتظار ذهبت إلى السوق لحاجتي ثم رجعت إلى عائشة
فإذا هي على حالتها الأولى تردد هذه الآية في صلاتها وتبكي. وفي حديث أنس
بن مالك - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال لي
جبريل: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة. رواه الحاكم، صحيح الجامع 4227. وقامت
معاذة العدوية من التابعيات الصالحات ليلة زفافها هي وزوجها صلة بن أشيم
يصليان إلى الفجر، ولما قتل زوجها وابنها في أرض الجهاد، كانت تحيي الليل
كله صلاة وعبادة وتضرعاً، وتنام بالنهار، وكانت إذا نعست في صلاتها بالليل
قالت لنفسها: يا نفس النوم أمامك. وكانت حبيبة العدوية إذا صلت العشاء قامت
على سطح دارها، وقد شدت عليها درعها وخمارها، ثم تقول: إلهي، غارت النجوم،
ونامت العيون، وغلقت الملوك أبوابها، وبابك مفتوح، وخلا كل حبيب بحبيبه،
وهذا مقامي بين يديك، ثم تقبل على صلاتها ومناجاتها لربها إلى السحر، فإذا
جاء السحر قالت: اللهم هذا الليل قد أدبر، وهذا النهار قد أسفر، فليت شعري
هل قبلت مني ليلتي فأهني، أم رددتها علي فأعزي. وقامت عمرة زوج حبيب العجمي
ذات ليلة تصلي من الليل، وزوجها نائم، فلما دنا السحر، ولم يزل زوجها
نائماً، أيقظته وقالت له: قم يا سيدي، فقد ذهب الليل، وجاء النهار، وبين
يديك طريق بعيد وزاد قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا، ونحن قد بقينا.
نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وصلى الله على نبينا محمد.
كيف تقوم رمضان وأنت فرح مسرور؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد ..
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان
إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري ومسلم وابن عساكر
والبغوي وصححه الألباني].
وهذه جائزة كبرى لأن من لا ذنب له فلا عقوبة عليه، وقد
سلمت له حسناته ومن جاء يوم القيامة ولا ذنب عليه فهو السعيد حقاً قال
تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ} [آل عمران:
185].
ولما كان قيام الليل والتهجد من أشق العبادات ومن
أعظمها أجراً، فإنني جمعت بحمد الله مجموعة من التنبيهات التي تيسر لك
القيام، بل قد تجعلك تقوم وأنت فرح مسرور سعيد، لا ترى أنك قد أُعطيت من
قرة العين وفرحة القلب مثله.
1 - تذكر أنك بحضرة الملك:تذكر وأنت تقوم في الصلاة أنك بحضرة الملك الذي تناجيه
ويناجيك، ويذكرك حال ذكرك له، فإن الله سبحانه وتعالى قد قسم الصلاة بينه
وبين عبده، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال تعالى: حمدني عبدي،
وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين،
قال: مجدني عبدي، وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين
عبدي ولعبدي ما سأل، وإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت
عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين: قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.
وتذكر أنك عندما تذكر الله في نفسك فإن الله يذكرك في
نفسه، وتذكر أنك أقرب ما تكون من الله عندما تكون ساجداً، وإذا تذكرت ذلك
كله علمت أنك في مقام القرب، ومن كان في مقام القرب تنزلت عليه الرحمات
والبركات. فأي سعادة هذه لمن يستشعر هذا الشعور؟!
2 - الصلاة أحسن عملك:لا عمل للإنسان قط أشرف وأنفع من الصلاة، فأما عمل
الدنيا فركعتان يركعهما العبد خير له من الدنيا كلها وما فيها وهذه على
الحقيقة واليقين فقدر أنك لو كنت في عمل دنيوي يدر عليك ألف ألف مليوناً في
عشر دقائق، فإنك بصلاة ركعتين قد حزت أكبر من ذلك وأفضل آلاف الآلاف من
المرات ولتكن موقناً بذلك.
وأما عمل الآخرة فالصلاة أفضل العمل لقوله صلوات الله عليه وسلم: «الصلاة خير موضوع» [حسنه الألباني].
3 - اتعب في الصلاة .. فالنصب مقصود:النصب في الصلاة مقصود ومحبوب للرب فانصب في صلاتك:
طولَ قيامٍ، وطولَ ركوعٍ وسجود .. فإن الله لما أمر رسوله وأصحابه بقيام
الليل قال لهم: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً () إِنَّ
نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل: 5 -
6].
فالتهجد وترك النوم ثقيل على النفس والقيام الطويل متعب، ولكن اعلم أن هذا مقصود ومحبوب عند الله تعالى.
فلتحب ما يحب الله وقد قال الله لرسوله: {فَإِذَا
فَرَغْتَ فَانصَبْ} [الشرح: 7] أي إذا فرغت من عمل الدنيا فانصب في العبادة
والنصب هو (التعب) ومن أجل ذلك قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
تفطرت قدماه.
4 - إذا نصبت في الصلاة فاذكر الأسوة:إذا نصبت في صلاتك فتذكر رسول الله الذي كان يقوم حتى
تتفطر قدماه، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وتذكر قيام
الصحابة والسلف الصالح فقد أتوا في هذا الباب من العجائب، فكان منهم من
يقرأ القرآن كله في ثلاث ليال فقط ويعيش على ذلك عمره كله ومن يختم في سبع،
ومن يختم في عشر ... وكانوا كما قال تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ
اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17].
وقال سبحانه وتعالى أيضاً {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعا} [السجدة: 16].
5 - تفكر فيما تقول:يجب أن تصلي وأنت حاضر القلب تفكر فيما تقول وتتدبر ما
تقرأ من القرآن، وما تسمع منه، وكان رسول الله عند قراءته لا تمر عليه آية
فيها رحمة إلا وقف عندها وسأل الله، ولا تمر عليه آية فيها عذاب إلا وقف
عندها واستعاذ بالله.
فتدبر معاني التسبيح والتحميد والتكبير وكلمات تعظيم الرب وتمجيده وذكره.
6 - أكثر من الطلب والدعاء:أنت بحضرة الملك وتناجي الرب الذي لا ينقصه عطاء ولا
يثقله دعاء، والذي كلما سألته ازددت منه قرباً، ولك حباً فادع متضرعاً
راجياً حاضر القلب موقناً بالإجابة.
7 - لا تنتظر آخر السورة ومتى يركع الإمام:عش مع القراءة، واحيا مع القرآن، وتدبر ما تقرأ أو
تسمع، وعند ذلك يسهل عليك الصلاة ولو بقيت الليل كله ولا تنتظر آخر السورة
أو حتى يركع الإمام فإنك إن فعلت ذلك ثقلت عليك الصلاة.
8 - لا تلتفت إلى شيء خارج الصلاة:فرغ قلبك من شغل الدنيا، ومن كل شيء سوى الصلاة واشتغل
وأنت في الصلاة بالصلاة وحدها، وكلما نزعك الشيطان من الصلاة إلى شيء
خارجها فذكرك أمراً ما فاستعذ بالله من الشيطان وعد إلى صلاتك ثانية. وجاهد
نفسك في هذا جهاداً فإن الشيطان حريص كل الحرص أن يشوش عليك صلاتك ويذكرك
ما لم تكن تذكره ويأخذك بعيداً عنها.
9 - طهر فاك .. ونظف ثيابك .. وتعطر .. وخذ أحسن زينتك:لا تأت صلاة الليل إلا وأنت في أكمل الزينة، وأتم
الطهارة والنظافة وأطيب رائحة تقدر عليها، بدءاً بتنظيف الفم بالسواك أو ما
يقوم مقامه من فرشاة ومعجون، وإياك أن تصلي بفم ينبعث منه رائحة كريهة
فإنك بهذا تؤذي المؤمنين وتؤذي الملائكة التي تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.
وبهذا تكون محل السخط لا محل الرضا والقبول. وخذ أحسن ما عندك من الثياب،
وقد كان السلف يحتفظون بأفضل ما يقدرون عليه من الثياب لقيام العشر من
رمضان. وتطيب بأحسن ما قدرت عليه من الطيب، واعلم أن هذا كله محبوب لله،
محبوب لملائكته، والله نظيف يحب النظافة طيب لا يقبل إلا طيباً.
وأعلم أن الاغتسال ونظافة الفم والثياب والطيب يشرح النفس ويبعث النشاط وبالتالي يسهل عليك الصلاة ويطيب لك القيام.
10 - لا تصل وأنت حاقن أو حاقب أو جائع تشهى الطعام أو ناعساً يغلبك النوم:لا تأت الصلاة وهناك ما يشوش ذهنك ويصرف فكرك، وأعظم ما
يشوش الذهن ويذهب الفكر أن تكون حاقناً. يدافعك البول، أو حاقباً، تدافع
الغائط. أو جائعاً بحضرة طعام تشتهيه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا
صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان» [صححه الألباني] والأخبثان هما
البول والغائط ....
فيستحسن أن تستعد لصلاة القيام بالفراغ التام مما يشوش
ذهنك، وبأن تتناول شيئاً من طعام يقيتك ولا يثقلك، وقد أخذت قسطاً من النوم
استعداداً للقيام، واحتسب نومتك كما تحتسب قومتك.
11 - اخشع في صلاتك:والخشوع يكون بسكون القلب وسكون الجوارح فاحبس قلبك في
الصلاة واحبس جوارحك على حركة الصلاة فقط قياماً وركوعاً وسجوداً. ولتكن
يداك حيث علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القيام والركوع والجلوس
والسجود والتشهد، ولتكن عيناك ناظرة إلى موضع سجودك وفي جلوسك لا تتعدى
ركبتك .. ولا تلتفت فإن الالتفات سرقة يسرقها الشيطان من صلاتك. فلا تجعل
للشيطان حظاً من صلاتك.
12 - رتل القرآن وصل خلف القارئ المُجيد:أمر الله رسوله أن يُرتل القرآن في صلاة الليل فقال
سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ?1? قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا
قَلِيلًا ?2? نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ?3? أَوْ زِدْ
عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [سورة المزمل: 1 - 4]، وترتيل
القرآن بتجويده وإحسان قراءته وتحسين الصوت به .. وقد بينه النبي بقوله:
«من لم يتغن بالقرآن فليس منا» [قال النووي اسناده جيد]، وقال: «الصوت
الحسن يزيد القرآن حسنا» [صححه الألباني]، وقال: «ما أذن الله لشيء كأذنه
لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به» [رواه ابن تيمية]، فتغن بالقرآن في
صلاة الليل أو صل عند من يحسن القراءة ويتغنى بالقرآن ويضبط أحكام قراءته،
فإن هذا أبهج للنفس وأقوى على القيام.
13 - أخلص عملك لله:وأعلم أن ملاك ذلك كله أن تقوم لله لا مرائياً بعملك،
فإن المرائي لا يقدر من عمله على شيء، ولا يناله منه حسنة واحدة، ولم يستفد
إلا نصبه وتعبه.
14 - من كانت تنبعث منه رائحة كريهة فانصح له بالخروج من المسجد:قال صلى الله عليه وسلم: «من أكل من هذه الشجرة
الخبيثة، فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس» [صححه
الألباني]، وكانوا يُخرجون من المسجد من تُشم منه رائحة خبيثة.
فإذا رأيت من هو كذلك فانصح له بالخروج من المسجد حتى لا يأثم ويؤذي عباد الله وملائكته.
15 - ليلة القدر فرصة عُمر فلا تضيع منك:قيام ليلة القدر وحدها خير من قيام ليالي ألف شهر أي
أنها أفضل من أن تقوم ليالي ثلاث وثمانين سنة وشهرين. وهذا فضل عظيم ...
عظيم لا يتصور مقداره، وقد تضاعفت فيه الحسنات ثلاثين ألف مرة .. فإياك
وإضاعة ذلك.
وليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان حتماً، وفي
لياليها الوتر (21،23،25،27،29) كما جاء به الحديث وقد أعلم الله بها نبيه
صلى الله عليه وسلم في المنام ثم لما خرج ليخبر الناس بها كان هناك رجلان
يتلاحيان (يستبان سباً شديداً) فانشغل النبي بذلك فنسيها ثم قال صلى الله
عليه وسلم هي في الليالي الوتر من العشر الأواخر.
فاستيقظ لها وأيقظ أهلك، وحتى أولادك المميزين، واخرج
لصلاة الليل فيها في أحسن ثيابك وأكمل هيئتك، وأحسن عطرك، وكأن هذا يوم
عرسك، فإن السماوات كلها محتفلة والملائكة فيها نازلة، وجبريل في الأرض مع
المؤمنين قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ?1?
وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ?2? لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ
مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ?3? تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا
بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ?4? سَلَامٌ هِيَ حَتَّى? مَطْلَعِ
الْفَجْرِ} [سورة الفجر: 1 - 5] والروح .. هو جبريل.
فادخل هذا الحفل العظيم المشهود .. وفز بالجائزة الكبرى ..
ولا رثاء ولا عزاء للضائعين والضائعات والغافلين والغافلات الذين آثروا الحياة مع الشهوات والتفاهات.
16 - صل صلاة مودع كأنك تراه:من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم: «صل صلاة مودع كأنك
تراه» [صححه الألباني]، والمعنى صل وأنت تظن أن هذه الصلاة هي آخر عهدك
بالدنيا، وأنت مرتحل بعدها إلى الآخرة وصل كأنك ترى الله أمامك!!
17 - صل قاعداً أو على جنبك إن كنت لا تستطيع القيام ولك أجر القائم:وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «صل قائما، فإن لم
تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب» [رواه البخاري وابن العربي والصعدي
وصححه الألباني].
18 - صل قاعداً في النفل وإن كنت تستطيع القيام ولك نصف أجر القائم:إذا كنت تستطيع القيام وأحببت أن تصلي قاعداً فلك نصف
أجر القائم .... قال صلى الله عليه وسلم: «من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى
قاعدا، فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما، فله نصف أجر القاعد» [رواه
البخاري وصححه الألباني].
19 - لا تخجل أن تصليٍ قاعداً:فإن هذا الخجل يحرمك أجراً عظيماً. فإن كنت معذوراً لا
تستطيع القيام فلك الأجر كاملاً وإن كنت تستطيع القيام وصليت في النفل
جالساً فلك نصف الأجر فلا تحرم نفسك، ولا يمنعك الخجل من الناس من الأجر
العظيم.
20 - اجلس في المسجد وإن لم تستطع الصلاة:إذا لم تستطيع أن تصلي قائماً ولا قاعداً ولا مضطجعاً
فاشهد المسجد ودعوة المسلمين فإن المكث في المسجد ولو بغير صلاة عبادة
عظيمة فإن الملائكة تصلي على من جلس في المسجد بعد الصلاة تدعو له وتقول
اللهم اغفر له اللهم ارحمه.
تربية الأولاد على الصلاة في رمضان!
مقدمة:الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أيها الأب الكريم؛ أيتها الأم الحنون؛ أيها المربي الفاضل:
إنّ أولادنا أمانة عندنا، وهبها الله تعالى لنا، وكم نتمنى جميعاً أن يكونوا صالحين، وأن يوفقهم الله في حياتهم الدينية والدنيوية.
وإنّ رمضان ظرفٌ مناسبٌ جداً لتدريبهم على الصلاح، وعلى الصلاة التي هي عنوان الصّلاح والفلاح!
تذكَّر قول النبي صلى الله عليه وسلم:«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» [رواه البخاري 893، ومسلم 1829]. وأولادنا سوف نُسأل عنهم!
وتذكّر دعاء المؤمن: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ
أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا
لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان: 74].
وفي أسلوب معاملة أولادنا، يُرْوَى عن النبي صلى الله عليه وسلم:
«لأن يؤدّب الرجل ولده خير له من أن يتصدق بصاع» [رواه أحمد 20394، والترمذيّ 1951 وضعفه الألباني]. والقول المأثور:
"لاعبوا أولادكم سبعاً، وأدّبوهم سبعاً، وصاحبوهم سبعاً"، ولنعلم أن أولادنا في حاجةٍ لأمور كثيرة، فهم في حاجة للحبّ وفي حاجة للتقدير وللحرية وللنجاح.
أيها الأب الكريم؛ أيتها الأم الحنون:
أنتم النماذج لأولادكم، وتذكروا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «
إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له» [رواه الترمذي 1376، وقال: حسن صحيح، والنسائي 3651]. فليكن هدفنا أن نجعل من أولادنا أفراداً صالحين!
وتذكّروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «
إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق» [صححه الألباني].
ومما لاشك فيه: أنَّ تربية الابن على الصلاة فريضة
شرعية؛ لإعداد الفرد الصالح والأسرة الصالحة والمجتمع الصالح الذي يطلق
عليه القران الكريم: (الأمة الوسط)، والتي حمّلَها ربُّ العالمين مسئولية
إقامة الحياة على منهاجه وشريعته، لتكون نظاماً حياتياً شاملاً.
كيف نربي أولادنا على الصلاة؟قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132].
أيها الأب، أيتها الأم:
نعلم جميعاً مكانة الصلاة في الإسلام، فمن قول النبي
صلى الله عليه وسلم: « ... وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ»
[رواه أحمد 11884، والنسائي 3939 قال الألباني حسن صحيح].
يتبيّنُ لنا: أن رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة،
ووصية النبي صلى الله عليه وسلم عند الوفاة، وهي وصية للأمة كلها: «الصلاة
الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم» [رواه أبو داود وصححه الألباني].
لذلك يجب أن نعلم أن تعويد الطفل على الصلاة هدف حيوي
في التربية الإيمانية للطفل، وتذكَّر بأن الطفولة ليست مرحلة تكليف، وإنما
هي مرحلة إعداد وتدريب وتعويد، وصولاً إلى مرحلة التكليف عند البلوغ، فيسهل
على الطفل أداء الواجبات والفرائض.
مراحل الصلاة:أولاً: مرحلة تشجيع الطفل على الوقوف في الصلاة:ففي بداية وعي الطفل يطلب منه الوالدان الوقوف بجوارهما في الصلاة، رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «
إذا عرف الغلام يمينه عن شماله فمروه بالصلاة» [رواه أبو داود، والبيهقي وضعفه الألباني].
ولنعلم جميعاً أن الأبناء في بداية طفولتهم قد يمرُّوا
أمام المصلين ويجلسوا أمامهم وقد يبكون، فلا حرج على الوالد أو الوالدة في
حمل طفلهم في الصلاة حال الخوف عليه، خاصّة إذا لم يكن بالبيت من يلاعبه،
وليتذكّر الآباء أن صلاة الجماعة بالمسجد هي الأفضل، ومع ذلك فقد طالبنا
الرسول صلى الله عليه وسلم بأداء النوافل والمستحبات في المنزل، فقد قال
صلى الله عليه وسلم: «إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً
من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً» [رواه أحمد 13986، ومسلم
778]. وفي رواية: «اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبوراً» [رواه
البخاري 432، ومسلم 888]، فحينما يرى الطفل والده ووالدته يصليان فإنه سوف
يقلدهم.
ثانياً: أبناء مرحلة ما قبل السابعة:وهي مرحلة الإعداد للصلاة، وتشمل:
- تعليم الطفل بعض أحكام الطهارة البسيطة: في أهمية التحرُّز من النجاسة، والاستنجاء وآداب قضاء الحاجة، وضرورة
المحافظة على نظافة جسمه وملابسه، مع شرح علاقة الطهارة بالصلاة.
- تعليم الطفل الفاتحة وبعض قصار السور استعداداً للصلاة.- تعليمه الوضوء وتدريبه على ذلك عمليّاً كما كان الصحابة رضوان الله عليهم يفعلون مع أبنائهم.
- وقبيل السابعة نبدأ بتعليمه الصلاة وتشجيعه على أن يصلي فرضاً أو أكثر يومياً مثل صلاة الصبح قبل الذهاب إلى الروضة
أو إلى المدرسة، ولا نطالبه بالفرائض الخمس جملة واحدة قبل سن السابعة.
- وتذكّر أيضاً:
أهمية اصطحاب الطفل إلى صلاة الجمعة بعد أن تعلّمه آداب المسجد، فيعتاد الطفل على إقامة هذه الشعائر، ويشعر ببداية دخوله المجتمع واندماجه فيه.
ثالثاً: مرحلة ما بين السابعة إلى العاشرة:ففي الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم: «
مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» [رواه أبو داود 494، واللفظ له، والترمذي 407، والدارمي 1431 وحسنه لألباني].
فيجب أن نعلّم الطفل هذا الحديث حتى يعرف أنه قد بدأ
مرحلة المواظبة على الصلاة، ولهذا ينصح بعض المربين أن يكون يوم بلوغ الطفل
السابعة حدثاً متميزاً في حياته، وقد خصّص النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث
سنوات متواصلة لتأصيل أمر الصلاة في نفوس الأبناء، وتكرّر طلب الصلاة من
الطفل باللين والرفق والحب, وبنظرة حسابية نجد أن عدد التكرار يصل خلال هذه
الفترة إلى:
عدد الصلوات / عدد الأيام / أعوام / المجموع ... 5 × 354 × 3 = 5310 صلاة.
أيّ: أنَّ الوالدين سيذكّرون أولادهم ويدعونهم إلى
الصلاة بقدر هذا العدد الضخم في هذه الفترة مع أول حياتهم، وهذا يوضح لنا
أهمية التكرار في العملية التربوية، مع ما يناسب ذلك من بشاشة الوجه وحسن
اللفظ.
وفي هذه الفترة يتعلم الطفل أحكام الطهارة، وصفة الصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض الأدعية الخاصة بالصلاة، ونحثّه على
الخشوع وحضور القلب، وقلة الحركة في الصلاة، ونذكر له حديث الرسول صلى الله
عليه وسلم: «إنّ العبد ليصلي الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها، تسعها،
ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها» [رواه أحمد 18415، وأبو
داود 796، والنسائي 796 وصححه الألباني]. على أن نتدرّج معه في ذلك دون
إكراه لصغر سنه.
رابعاً: مرحلة الأمر بالصلاة والضرب عليها:من الضروري أن نكرّر دائماً في مرحلة السابعة على مسمع
الطفل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي حدد مبدأ الضرب بعد العاشرة
تحذيراً من الانصياع وراء الشيطان، فإذا أصر بعد ذلك على عدم المداومة على
الصلاة لابد أن يعاقب بالضرب، ولكن يظل الضرب معتبراً بالشروط التي حددها
لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
إذا نشأ الطفل في بيئة صالحة واهتم والداه بكل ما
ذكرناه، وكانا قدوة له في المحافظة على الصلاة، فإنه من الصعوبة ألا يرتبط
الطفل بالصلاة ويحرص عليها، خاصة مع التشجيع المعنوي والمادي.
وفي هذه المرحلة (بعد العاشرة) يجب على الوالد -أو من
يقوم بتربية الأولاد- أن يعلمهم أحكام صلاة الجماعة، وصلاة السنن مثل ركعتي
الفجر والشفع والوتر.
يجب الاهتمام بصلاتي الفجر والعشاء في هذه المرحلة،
وإيقاظ الطفل لأداء صلاة الفجر بالمسجد حتى يتعوَّدها، ويكون الوالد قدوة
لولده في ذلك، وتعويد الطفل على المداومة على كل الفرائض مهما كانت
الأسباب، خاصّة أثناء الامتحانات: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ
اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]. فإن فاتته صلاة
ناسياً فليصلها متى تذكّرها، فإذا فاتته تكاسلاً فلنعلمه أن يسارع
بالاستغفار، وأن يعمل من الحسنات كالصدقات من مصروفه، وغير ذلك من أعمال
الخير؛ لعل الله تعالى أن يغفر له، وذلك كما أوصى النبي صلى الله عليه
وسلم: «وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا» [رواه أحمد 20847،
والترمذيّ 1987 وحسنه الألباني]. وحبذا لو أسهم المسجد في توفير النشاطات
التي يجذب بها كقيام الليل، وحلقات القرآن، ودروس السيرة، والرحلات.
وننبه بعد ذلك على الخطوات السابقة واتفاق الوالدين
عليها وتعاونهما معاً من أجل أن يكونا قدوة للطفل، وعلى الوالدين أن يكثرا
من هذا الدعاء: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ?
رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم: 40]، {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ
أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا
لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].
نصائح للوالدين:(1) على الأب والأم أن يحرصا على أن يرى ابنهما فيهما دا